منتدى السلام
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

أدلة الإباضية في ترك رفع الأيدي في الصلاة

اذهب الى الأسفل

أدلة الإباضية في ترك رفع الأيدي في الصلاة Empty أدلة الإباضية في ترك رفع الأيدي في الصلاة

مُساهمة من طرف محمد المغيري الخميس أكتوبر 08, 2009 11:15 am

نظرا لعدم اتفاق العلماء على هيئة واحدة في الرفع، ووجود أحاديث في النهي عنه، فإن جميع علماء الإباضية – متقدميهم ومتأخريهم - يرون أن رفع الأيدي في الصلاة ليس من سنة النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو عمل زائد عن الصلاة، نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث صحيحة وردت في مسند الإمام الربيع كما وردت في صحيح مسلم وغيره، كما سيأتي بيانه.

ولأن هذه المسألة من فروع الفقه وليست من أركان الصلاة، فإن أهم كتب الفقه عند الإباضيةلم تتعرض لهذه المسألة بالتفصيل فكتاب الايضاح للشماخي وقواعد الاسلام للجيطالي وهما من علماء الإباضية في المغرب لم يتعرضا إلى الخلاف في هذه المسألة رغم أن منهم من ذكر الخلاف الوارد في المسائل الأخرى كالخلاف في البسملة والقنوت وقراءة السورة في الركعتيتن الأوليين من صلاتي الظهر والعصر والتأمين.[1]

يقول الشيخ محمد بن يوسف اطفيش: "ولا قائلا برفع اليدين منا معشر المغاربة الإباضية عند الإحرام فمن رفعهما أو إحداهما قبل الشروع فيها صحت صلاته أو قبل الفراغ فسدت بناء على أن الإحرام منها وصحت بناء على أنه ليس منها أو بعد الفراغ فسدت". وقال الشيخ خميس من مشارقة أصحابنا رحمه الله: ويكره الإحرام قبل التوجه عندنا ورفع اليدين عنده ووضعهما على السرة والإشارة بالإصبع والتورك على اليسرى ولا بأس قيل على من فعل ذلك. وغيرنا يراها سنة.[2]

وبعد أن ذكر الشيخ اطفيش أقوال العلماء من المذاهب الأخرى المستندة على بعض الأحاديث، قال: وهذه الأحاديث كلها لم يصح سندها عندنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا جابر بن زيد رحمه الله روى عن سبعين من الصحابة وأكثر الأخذ عنهم؛ منهم أبو هريرة وابن مسعود وعمار وأنس وغيرهم كابن عباس، بل قال حويت ما عندهم من العلم إلا البحر الزاخر ابن عباس فإني لم أرو جميع ما عنده. ولم يثبت رفع اليدين عنده في الإحرام ولا في خفض ولا في رفع ولو صح عنه صلى الله عليه وسلم لرواه عنهم ولرآهم يفعلونه. وجابر بن زيد ثقة عند قومنا كما هو عندنا وإذا كان الأمر هكذا ولم يصح السند في رفع اليدين كان رفعهما إلى المنع أقرب لأنه زيادة عمل في الصلاة ومناف للسكون في الصلاة[3]

أما علماء المشرق فإن الشيخ نور الدين السالمي أورد الرفع من ضمن مكروها ت الصلاة. قال: "رفع اليدين عند الإحرام مكروه ناقض للصلاة عندنا لأنه زيادة عمل في الصلاة، وهو ينافي الخشوع المأمور به أو ينقصه".[4]

ويقول العلامة سلمة بن مسلم العوتبي " أجمع أصحابنا على ترك رفع اليدين في الصلاة لأشياء صحت عندهم في ذلك."[5] ونقل قول أبي الحسن البسيوي:" ولم نر أسلافنا يعملون ذلك ولم نرهم يفسدون صلاة من فعله، ومن فعله لم نره يفسد صلاة من لم يفعله" ونقل أيضا قوله " عندي أن العمل في الصلاة بغير معنى الصلاة لا يجوز، ورأيت رفع اليدين في الصلاة عمدا ليس هو من الصلاة، وقد جاء النهي عنه"[6] .

هذاوقد أجاز الإباضية الصلاة خلف من يرفع، قال الشيخ أحمد بن عبد الله الكندي: "أجاز المسلمون الصلاة خلف من يفرد الاقامة، ومن يسر ببسم الله الرحمن الرحيم، وخلف من يرفع يديه في الصلاة للتكبير، وخلف من يسلم مرتين، ولم يروا في ذلك زيادة ولا نقصان فيها"[7] .

وللاباضية أدلة اعتمدوا عليها في ترك الرفع وهي تنقسم الى قسمين: أدلة شرعية وأدلة عقلية.

1- وجود روايات تنهى عن الرفع:

جاء النهي عن الرفع في عدة أحاديث رواها أئمة الحديث منهم الإمام مسلم والنسائي وأبو داود، كما رواه الإمام الربيع بن حبيب ونكتفي براوية الإمام الربيع في الجامع الصحيح ورواية الإمام مسلم في صحيحه.

أ - رواية الإمام الربيع :أبو عبيدة عن جابر بن زيد عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «كأني بقوم يأتون من بعدي يرفعون أيديهم في الصلاة كأنها أذناب خيل شمس. »[8]

ب- : رواية الإمام مسلم: « حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ تَمِيمِ بْنِ طَرَفَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا لِي أَرَاكُمْ رَافِعِي أَيْدِيكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ اسْكُنُوا فِي الصَّلَاةِ، قَالَ ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا فَرَآنَا حَلَقًا فَقَالَ مَالِي أَرَاكُمْ عِزِينَ، قَالَ ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا فَقَالَ أَلَا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا قَالَ يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الْأُوَلَ وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ. وحَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ و حَدَّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، قَالَا جَمِيعًا حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوَهُ. »[9]

فهذا الحديث الذي ينهى عن الرفع ثابت عند الإباضية وغيرهم، ورغم وضوح معناه، إلا أن القائلين بالرفع اعترضوا بأن النهي عن الرفع مقيد بحالة الرفع عند السلام وقد رواه حديثا غير واحد من المحدثين منهم البخاري في جزء رفع اليدين ومسلم في صحيحه[10]، لكن المتأمل فيما اعترضوا به يجد أن كلمة السلام لم ترد إطلاقا في هذا الحديث بل وردت في حديث آخر وأنه لا يمكن أن يكون الحديثان حديثا واحدا، فلا يثبت التقييد لأن ظاهر هذا الحديث ينهي عن مطلق الرفع في الصلاة بما فيه الرفع عند السلام.

2- وجود روايات تذكر التكبير في الصلاة بدون ذكر الرفع

وردت أحاديث في الصحاح عمن رُوي عنهم الرفع في البخاري ومسلم وغيرهما ولاذكر فيها للرفع، منها:

أ- الحديث المشهور باسم " المسيء في صلاته" الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة وغيره« أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد، فدخل رجل فصلّى فسلّم على النبي صلى الله عليه وسلم فرد وقال: "ارجع فصل فإنك لم تصل"، فرجع يصلي كما كان صلّى، ثم جاء فسلّم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ارجع فصل فإنك لم تصل" (ثلاثا) فقال: والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره فعلمني. فقال: إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع حتى تعتدل قائما، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا، وافعل ذلك في صلاتك كلها»[11].

وهذا الحديث هو الأصل الذي بنيت عليه صحة الصلاة ولذلك قال بعض العلماء إن ما ذكر في هذا الحديث فهو واجب وما سواه فهو غير واجب. والرفع لم يذكر في هذا الحديث وكذلك وضع اليد اليمنى علي اليسرى. فلو كان الرفع والقبض من أعمال الصلاة لبينهما الرسول صلى الله عليه وسلم لهذا الرجل.

ب - وفي صحيح مسلم أيضا من أكثر من طريق حديث عن أبي هريرة يتحدث عن التكبير ولا ذكر فيها للرفع. وهذا نص إحدى الروايات:

«حدثنا محمد بن رافع حدثنا عبد الرزاق أخبرنا بن جريج أخبرني بن شهاب عن أبي بكربن عبد الرحمن أنه سمع أبو هريرة يقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام الى الصلاة يكبر حين يقوم. ثم يكبر حين يركع ثم يقول "سمع الله لمن حمده" حين يرفع صلبه من الركوع ثم يقول وهو قائم "ربنا ولك الحمد" ثم يكبر حين يهوي ساجدا. ثم يكبر حين يرفع رأسه. ثم يكبر حين يسجد. ثم يكبر حين يرفع رأسه ثم يفعل مثل ذلك في الصلاة كلها حتى يقضيها ويكبر حين يقوم من المثنى بعد الجلوس". ثم يقول أبو هريرة إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم»[12]. وهذا الحديث رواه أيضا النسائي

وفي رواية أخرى في صحيح مسلم عن يحي بن يحي قال: « قرأت على مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة كان يصلي لهم فيكبر كلما خفض ورفع فلما انصرف قال: والله إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم»[13] .

فالروايتان السابقتان عن أبي هريرة خاليتان من الرفع عند التكبير رغم أن الأولي مروية عن ابن شهاب الزهري الذي روى حديث الرفع عند التكبير في الإحرام والركوع والرفع من الركوع، كما أن أبا هريرة (رضي الله عنه) الذي رُوي عنه الرفع عند التكبير الأول والركوع والرفع منه رُوي عنه أيضا الرفع مرة واحدة.

ج - روى أبو داود في باب من لم يذكر الرفع عند الركوع[14] عن مسدد « أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الصلاة رفع يديه مدا. ومسدد هو نفسه روى حديثا في سنن أبي داوود عن وائل بن حجر في الرفع في أكثر من موضع. »[15]

د – روى أبو داود أيضا عن سالم البراد قال: « أتينا عقبة بن عمرو الأنصاري أبا مسعود فقلنا له حدثنا عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم فقام بين أيدينا في المسجد فكبر فلما ركع وضع يديه على ركبتيه وجعل أصابعه أسفل من ذلك وجافى بين مرفقيه حتى استقر كل شيء منه ثم قال سمع الله لمن حمده فقام حتى استقر كل شيء منه ثم كبر وسجد ووضع كفيه على الأرض ثم جافى بين مرفقيه حتى استقر كل شيء منه ثم رفع رأسه حتى استقر كل شيء منه ففعل مثل ذلك أيضا ثم صلى أربع ركعات مثل هذه الركعة فصلى صلاته". ثم قال هكذا رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي. »[16]



والروايات السابقة تتوافق مع ما رواه أبوغانم الخراساني عن الربيع بن حبيب قال (حدثني أبو عبيدة عن جابر بن زيد عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام الى الصلاة كبر حين يقوم فيها، وإذا ركع كبر، وإذا طأطأ راسه في السجود كبر وإذا رفع رأسه من السجود كبر، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل هذا كله )[17]

يُفهم من هذه الأحاديث أن الرفع ليس من الأعمال الأساسية في الصلاة، وأن الذي لا يرفع يديه مع التكبير ليس مخالفا لسنة أو منكرا لحديث كما يقول البعض، بل إن الذي يرفع يديه هو الذي يخشى عليه أنه خالف الأصل لورود النهي عن الرفع كما تقدم.

3- الاختلاف في مفهوم السنة

يرى الإباضية أن اصطلاح السنة يقصد به كل قول أو عمل أو تقرير صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يثبت خلاف فيها. أما الروايات المختلف فيها أو في نسبتها الى الرسول صلى الله عليه وسلم فلا تدخل تحت إطار السنة الواجب العمل بها .

يقول الشيخ علي يحيى معمر رحمه الله: (إن الأعمال التي صدرت عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) في بعض العبادات لسبب عارض، أو فعلها ولم يعد إليها، أو لم يثبت أنه داوم عليها، لا يعتبروها سنة، وإنما يرونها واقعة حال يمكن الإتيان بها في ظروف مشابهة فقط ، ومنها:القنوت في الصلاة، ورفع الأيدي عند التكبير والجهر بكلمة آمين بعد الفاتحة في الصلاة، وزيادة (الصلاة خير من النوم في أذان الفجر).[18].

يُفهم من قول الشيخ علي يحي معمر أن سنن الصلاة هي الأعمال التي داوم عليها النبي صلى الله عليه وسلم ولم يثبت الاختلاف فيها، ومن أمثلة ذلك: المضمضة والاستنشاق وأوقات الصلوات وعدد الصلوات في اليوم، وعدد ركعات الصلاة. كل ذلك من المتواتر العملي من سنة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعرف خلاف فيها. أما الرفع فإن الاختلاف فيه يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يداوم عليه دواما يجعله يصل إلى مرتبة السنن المؤكدة.

4- القول مقدم على الفعل و النهي مقدم على الأمر

من القواعد الفقهية المقررة عند الفقهاء أن قول النبي صلى الله عليه وسلم مقدم على فعله. يقول الشيخ علي يحي معمر "إذا تعارض قول الرسول صلى الله عليه وسلم وعمله، ولا يمكن الجمع بينهما، فالقول أقوى لأنه أساسا موجه إلينا أما عمله فيحتمل الخصوصية"[19]. ومن أمثلة ذلك ما رواه النسائي وابن ماجة عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ) قال" من أدركه الصبح وهوجنب فلا يصوم "[20] والذي يعارضه الحديث الذي رواه البخاري عن عائشة وأم سلمة أن رسول الله ص كان يدركه الفجر وهو جنب "[21]. فالإباضية يعملون بحديث أبي هريرة بناء على قول النبي صلى الله عليه وسلم. أما غيرهم فأغلبهم يأخذون بحديث عائشة رغم أنه قد يحتمل الخصوصية. كما أن الأخذ بالقول هو نوع من الاحتياط.

وكذلك الرفع، فإذا ثبت أن النبي رفع يديه في الصلاة ، وثبت أيضا أنه نهى عن الرفع، فالأخذ بالنهي أولى. لأن النهي مقدم على الأمر وهو أيضا من القواعد الفقهية لقوله صلى الله عليه وسلم"إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فانتهوا"[22]

فحديث النهي عن الرفع واضح وصريح بينما الأحاديث المروية في الرفع ليست صريحة، فكل روايات الرفع ، إما هي من أقوال أو أفعال الصحابة، أو قول الصحابي: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو كان الرسول صلى الله عليه وسلم يرفع يديه أو ما شابه ذلك. فلم يثبت حديثا صريحا يأمر بالرفع كما ورد في النهي عنه.

5- الأخذ بمبدأ الاحتياط – الاكتفاء بالأصل خروجا من الخلاف

الاحتياط من المبادئ التي التزم بها الإباضية في العبادات والمعاملات منذ القرون الأولى. فهم يحتاطون في أمور الصلاة عامة وفيما يتعلق بالطهارة التي هي أساس الصلاة خاصة. ومن أجل هذا المبدأ فقد وصفهم بعض مخالفيهم بالتشدد في الدين وخصوصا فيما يتعلق بالطهارة للصلاة والشواهد على هذا كثيرة في الفقه الإباضي. ومن أمثلة ذلك القنوت في الصلاة، فبعض العلماء يرى أن القنوت في الفجر بينما يرى غيرهم أن القنوت في الوتر، أما الإباضية فلا يرون القنوت. كما يعتبرون الدم ناقضا للوضوء، ويقولون بإعادة الصلاة إذا تأكد المسلم أنه صلى في ثوب نجس، بينما من غيرهم من يرى أن الدم لا ينقض الوضوء، ولا إعادة على من صلّى بثوب نجس، إلى غير ذلك من الاحتياطات. كل ذلك خوفا من الوقوع في الشبهة أو مخالفة السنة.

يقول الشيخ أحمد الخليلي: "واعلم أن مسلك أصحابنا في الصلاة الاحتياط بعدم الأخذ إلا بالروايات التي لا يحوم حولها أي ريب في المسائل المختلف فيها لأن الصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام الذي يلي العقيدة مباشرة، والمحققون من العلماء على اختلاف مذاهبهم لا يقبلون الحديث الآحادي كحجة في المسائل الاعتقادية، لعدم إفادته القطع، فكانت الصلاة المجاورة للعقيدة في الترتيب حرية بالحيطة، على أن من العلماء من قال في صلاة أصحابنا إنها ثابتة بالإجماع، لأن ما يتركونه من الأعمال فيها مختلف فيه عند غيرهم."[23]

فترك الرفع هو الأصل كما ورد في الأحاديث السابقة، وهو لا ينقص من أعمال الصلاة ولا يبطلها، كما أن الرفع قد يدخل المسلم في مخالفة أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالنهي عن الرفع للحديث المتقدم ذكره، ويخشى منه عدم قبول الصلاة. وهذا من الاحتياط.

6- إجماع العلماء على صحة الصلاة بدون الرفع

مع كثرة الأحاديث الواردة في الرفع، فإن الفقهاء قالوا أن الرفع ليس شرطا في صحة الصلاة. قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري[24] نقلا عن ابن عبد البر: "أجمع العلماء على جواز رفع اليدين عند افتتاح الصلاة". والإمام أبو داود رغم ميله إلى الرفع في أكثر من موضع كغيره من أهل الحديث إلا أنه أفرد بابا خاصا بعنوان "الرخصة في ترك ذلك".

وهذا يدل على أنه ليس شرطا في صحة الصلاة، ولا يعتبر ركنا من أركانها، وليس من السنن المؤكدة، بل إن العديد من الفقهاء يذكرونه في المستحبات. يقول ابن عبد البر "رفع اليدين أو إرسالهما كل ذلك من سنن الصلاة"

فابن عبد البر ما كان ليقول هذا لو كان يعلم أن ترك الرفع مخالفةٌ للسنة، ولكنه وجدكثرة الجدال في هذه المسألة فأصدر هذا الحكم، رغم أن القول الذي قاله يحتاج أيضا إلى نظر فلا يمكن أن تكون السنة شيئين متناقضين.

7- تحفظ الإباضية على بعض أحاديث الرفع

كثير من الأحاديث المروية في الرفع فيها اضطراب في متنها أوسندها وقد قام الشيخ أحمد بن سعود السيابي بمناقشة بعض من هذه الأحاديث في رسالة "الرفع والضم في الصلاة" كما أن بعض علماء الإباضية، تحفظوا على الأحاديث المروية عن ابن شهاب الزهري ومنها الحديث الذي رواه عن ابن عمر في الرفع. وسبب التحفظ يرجع الى ارتباطه بحكام بني أمية. وقد أنكر كثير من العلماء حتى من غير الإباضية اتصال ابن شهاب الزهري بالأمويين وكتبوا له يلومونه على ذلك. قال الإمام أبو يعقوب الوارجلاني في كتابه الدليل والبرهان "فكتب إليه عشرون ومائة من الفقهاء يؤنبونه ويعيرونه بما فعل، منهم جابر بن زيد، ووهب بن منبه، وأبو حازم الفقيه، فقيه المدينة وأمثالهم وقد وقفت على كتب هؤلاء الثلاثة إليه"[25]

7- اشتهار الإباضية بالصدق

شهد المخالفون للاباضية بأنه لم يعرف عنهم الكذب في الحديث عن رسول الله (ص). وقد روى عن بعض العلماء - منهم ابن تيميه - أن الخوارج من أصدق الناس في الحديث[26]. لأنهم يعتبرون الكذب من الكبائر التي يخلد صاحبها في النار إن لم يتب. ويقصدون بالخوارج هنا "الإباضية" لأنه من المعروف أن الخوارج لم يهتموا برواية الحديث أوالفقه لانشغالهم بالحروب عن العلم.

8- الرفع الوارد في الأحاديث قد يكون قبل النهي عنه

نظرا لورود الأحاديث المختلفة في الرفع فيمكن الجمع بين الروايات المختلفة في الرفع بالقول إن الرفع المذكور في الأحاديث كان قبل النهي عنه، وأن الرسول كان في أول أمره يرفع يديه في الصلاة، إما مرة واحدة في تكبيرة الإحرام ، أو عدة مرات في مواضع أخرى، ونقل عنه الصحابة هذه الأحاديث، ولكنه في آخر الأمر نهى عن الرفع لحديث جابر بن سمرة الذي تقدم ذكره.

9- الإباضية من أول المذاهب الإسلامية تَكَوّنا: فالإمام الأول للإباضية هو جابر بن زيد، ولد في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعاش في البصرة التي كانت مركز الإشعاع العلمي في ذلك الوقت، كما عاصر كثيرا من الصحابة والتابعين و أخذ العلم على كثير منهم، كأم المؤمنين عائشة وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وأنس بن مالك وأبي هريرة وغيرهم.

رُوي عنه أنه قال: "أدركت سبعين بدريا فحويت ما عندهم إلا البحر". ولم يثبت عند الإباضية أن جابر بن زيد أو تلاميذه رفعوا أيديهم في الصلاة أو أمروا بالرفع. فلو كان رفع اليدين أو وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة من السنن المؤكدة التي أجمع عليها الصحابة رضوان الله عليهم لكان أول من عمل بهما جابر بن زيد، ولو عمل بهما لنقلهما عنه تلاميذه وأشهرهم أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة، الذي تتلمذ عليه حملة العلم إلى المشرق وحملة العلم إلى المغرب وخراسان، الذين انتشروا في الأمصار منذ بداية القرن الثاني الهجري. فترك الرفع انتقل بالتواتر العملي منذ القرن الأول الهجري جيلا عن جيل حتى وقتنا هذا.

77852 77852
محمد المغيري
محمد المغيري
المـديـر العـــام
المـديـر العـــام

الوطن : أدلة الإباضية في ترك رفع الأيدي في الصلاة Om10
عدد المساهمات : 131
نقاط : 100305
السٌّمعَة : 1
تاريخ التسجيل : 21/08/2009
العمر : 30
المنطقة : سلطنة عمان

https://slaam.ahlamontada.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى